"للفن ضوء" ملحمة فنية يمنية تسرد الحكاية وتبث الأمل (صور)
"للفن ضوء" ملحمة فنية يمنية تسرد الحكاية وتبث الأمل (صور)
قيل قديما إن الحطاب عندما حمل الحرائق للأشجار، على الفؤوس نامت العصافير، وقيل إن المطر الذي اضطر للبقاء أصبح وحلًا، ومؤخرا اتضح للكثيرين أن الغيمة كانت على حق حين أرادت الفرار، تبحث عن أرض تسقط عليها لتحيا.
في شوارع صنعاء القديمة أخبروهم أن الأشجار تموت واقفة، لأنها لا تقوى على السقوط، فحتى السقوط يحتاج لإرادة قوية وقرار.
وليس أقوى من إرادة قرابة مليون لاجئ يمني، تركوا ديارهم وأموالهم وفروا، إلى أرض أكثر رحابة تستوعب أحلامهم بعد تحويلها لفنون ولوحات إبداعية تعكس دواخلهم، يقيمون لها المعارض على أرض بلد الحضارة الفرعونية القاهرة عاصمة مصر بلدهم الثاني.
في معرضهم الفني الذي حمل عنوان "للفن ضوء"، شارك 75 فنانا يمنيًا، تتأمل، يغمرك الجمال بـ"الجملة"، كسرب حمام يتراص بجوار بعضه مشكلًا لوحة جمالية تملأ السماء للحظات ثم تعيد تشكيل نفسها بشكل مغاير لا يقل جمالًا عن سابقه، هكذا اتحدت أنواع الفنون المختلفة المشاركة من "الفنون التشكيلية والتصوير الفوتوغرافي والخط العربي والزخرفة"، امتزجت جميعها مشكِلة لوحة تجسد "اليمن"
ملحمة فنية راعتها السفارة اليمنية بالقاهرة ونظمها المنتدى العربي للفنون.
على أهمية المعرض اجتمع الكبار، فحضر حفل توزيع الجوائز السفير اليمني بالقاهرة د. محمد مارم والمستشار الإعلامي بليغ المخلافي والفنان عبدالباسط عبسي ونائب مدير المركز الثقافي نبيل سبيع، وافتتح المعرض وزير الثقافة اليمني الأسبق الدكتور محمد أبو بكر المفلحي والموسيقار أحمد فتحي والمستشار الثقافي للسفارة اليمنية عائشة العولقي وغيرهم.
ضم المعرض الذي احتضنته قاعة صلاح طاهر للفنون التشكيلي بدار الأوبرا المصرية، أعمالًا لنخبة من فناني اليمن الكبار أمثال الدكتورة آمنة النصيري، والفنان علي الذرحاني، والفنان عبدالفتاح عبدالولي، والراحل ياسين غالب في الفن التشكيلي، والفنان عبدالرحمن الغابري في التصوير الفوتوغرافي، وناصر نصاري وعبدالرقيب سلام في الخط العربي والزخرفة.
نقطة الانطلاق
على غير ما تحمله المعارض من تنافسية وتسابق، كان معرضهم محملًا بروح اليد الواحدة مشبعًا ببهجة كما أجواء العيد.
الكلمة الأقوى التي استمد من قائلها الشباب الحماس، كانت للسفير اليمني بالقاهرة، محمد مارم، الذي أكد أن المعرض رسالة للوجود اليمني في كل المجالات وقضيته حاضرة، وأن المعرض شرارة انطلاق ومحطة مهمة تنطلق منها مزيد من الفاعليات الإبداعية في الفن التشكيلي وغيره في الفترة القادمة، وأن السفارة اليمنية تعتز بكل ما يعزز اليمن في ظرفها الصعب الذي تمر به.
“من خلال المعارض وغيرها تحرص السفارة على أن تكون حاضرة ومساندة لكل الفعاليات، وإبراز أعمال الفنان اليمني في الوقت الذي يمر فيه اليمن بصعوبات بالغة، ما زال الإبداع موجودا، لم تغيرنا الحرب، واليمن حاضر بتاريخه في كل اللوحات المشاركة في المعرض، ونؤكد حقيقة على أن الإنسان اليمني بشكل عام والجالية اليمنية في مصر بشكل خاص إضافة نوعية وأننا رغم الحرب ما زلنا موجودين وبقوة وإبداع”.
موجودون رغم كل شيء
يقولون، من رحم المعاناة يولد الأمل، اليمنيون أثبتوا ذلك بإبداعهم وإصرارهم على الإعلان عن أنفسهم كما هي مسالمة وقوية.
في هذا الشأن، أوضح رئيس المنتدى العربي للفنون التشكيلية ردفان المحمدي، أن “المعرض يهدف إلى تعريف الجمهور المصري والعربي الموجود في القاهرة بالتعريف بالحركة الفنية اليمنية، وباليمن ورموزها الفنية، في البلد التي طالما عرف بتصديره الفن والثقافة، لقد تربينا على الفن المصري، ومن هنا الإعلان في المكان المناسب عن حركة فنية يمنية توصل رسالتهم، كذلك المساهمة في التعريف بالفن اليمني من خلال الموضوعات الجمالية التي تميزت بها الأعمال المشاركة في المعرض، والذي يضم 75 فنانًا من جيلين مختلفين، الأول يُعد من رواد الحركة الفنية في اليمن، والثاني جيل الشباب ومتوسط العمر الفني، ضمن سلسلة معارض سيقيمها الشباب اليمني في عدد من العواصم العربية والعالمية خلال الفترة القادمة”.
فن بالجملة
كان إبداعهم بالجملة، ممن ساهم في صنع هذا المال كان المصور، طلال الصابري، خريج فنون جميلة، والمشارك في المعرض بصورة تجسد حال اليمن، وفيها يجلس قعيدان على كراسي متحركة، انهمك أحدهما مع هاتفه المحمول، فيما جلس القائمون على أمورهما على حافة صور منهمكين أيضًا ومنشغلين عن القعيدين اللذين من المفترض الإشراف على أمورهما ورعايتهما.
يقول طلال: شلّت مواقع التواصل الاجتماعي حياة اليمنيين، يتساوى في ذلك المعاق إعاقة جسدية أو ذهنية أو الإنسان الصحيح، فلا تعليم حقيقيا أو تنمية في مجال الصحة أو التعليم،
المعرض نتيجة جهود جبارة مختلفة ومتنوعة، ورسالته واضحة أن اليمني فنان بطبعه لا تقهره ظروف الحرب، فمن نحت الجبال وهندس السدود والقصور يستطيع فعل كل شيء رغم الألم، نحن هنا وسنستمر في الإبداع من أجل الأجيال القادمة.
بائع الذرة
من المشاركين في المعرض كان فنان تشكيلي يمني، تعددت مواهبه بين التصوير وتقديم منتجات صديقة للبيئة من خامات البامبو، وكذلك طباخ يمني ومغني راب، وكذلك مهارة المونتاج والفنون الصوتية، شارك بصورة لوجه رجل ثمانيني ترك الزمن عليه بصمته، يبيع الذرة ويرتدي جلبابًا التقطه أثناء سيره بأحد شوارع القاهرة.
يقول محمد عن رائعته الفنية: حمل وجه بائع الذرة قيمة الأرض كما جاءت الألوان والتفاصيل متألفة تتناسب مع لون الثياب ولون الذرة ليُشكل تكوين جميل.
وعن مشاركته قال محمد، إن مشاركته هي المرة الأولى التي يشارك فيها ولن تكون الأخيرة، خاصة لما استشعره من طاقة عظيمة من مشاركته مع 75 فنانا أبدعوا في إيصال رسالة مهمة عن اليمن، وهي الفن والسلام عن طريق اللوحات التي تعبر عن كيفية رؤية كل فنان للطريق الذي يوصله للسلام والمحبة.
استكمال المسيرة
صدام العدلة فنان تشكيلي متخصص في دمى العرائس، شارك بدمية مستوحاة من التراث اليمني، لشخصية "الدندكي"، وهو أحد من حكموا اليمن.
ببهجة ورشاقة روح جاب صدام المعرض، موضحًا أهميته التي تكمن في التقاء جيلين من الفنانين، جيل الرواد وجيل الشباب مستكمل المسيرة، يقول: "لذا شاركت بشخصية تراثية، تم ذكرها في كتاب (أساطير وحكايات من اليمن)، عملت عليها في إطار النص ومن خلال تحليل السياق الدرامي، وله حكاية طريفة أثناء وجوده في تعز وكانت أوامره تطاع وكثيرة، ولتحجيم طلباته تحايلوا على ذلك بحيل طريفة مكنتهم من تحقيق غرضهم، واضطر الدندكي إلى التسليم لهم في النهاية وهنا انتصر الشعب".
وأتم: نحن هنا لاستكمال مسيرة الكبار، وما هذا المعرض إلا مجرد بداية.
رحلة كفاح
من جانبه، لفت المسؤول الإعلامي للمعرض الصحفي محمد غبسي، إلى أنه ومنذ عقود كانت لقاءات اليمنيين في مصر تقتصر على فئة صغيرة من الطلاب أو المرضى الذين يقصدون القاهرة للعلاج.
واعتبر أن معرض "للفن ضوء" وغيره من الفعاليات المشابهة هي أحداث مهمة ستشجع اليمنين في كل البلدان على تسجيل حضورهم والتعبير عن أنفسهم كل في تخصصه ومجال إبداعه لنقل الصور المشرفة عن اليمن خارج أروقة العمل والجامعات والمستشفيات، معبرًا عن سعادته بالتظاهرة الفنية التي جمعت نخبة من فناني اليمن المخضرمين والشباب، مضيفًا: "شباب اليمن المبدعون باتوا اليوم أكثر صخبًا وحضورًا وعليهم نعول بأن تستعيد بلادنا عافيتها وأن نظهر في المسارح والمحافل الدولية بالصورة التي تناسب تاريخنا العريق وثقافته المتنوعة".
حفل ختام
كان ختامًا كضوء يزين قاعة صلاح طاهر، كُرّم فيه كل المشاركين من الفنانين كما كانت هناك كلمة للسفير مارم أثنى على المعرض والجهود التي بذلت في سبيل إيصال رسالة الإبداع، وإمكاناته في المجالات كافة، منوها إلى عملية التنوع الجميلة في كمية المبدعين الذين تواجدوا بلوحاتهم وصورهم وخطوطهم والنمنمات من مختلف محافظات الجمهورية، الأمر الذي يبعث الأمل واستمرارية الإبداع في مواجهة مصاعب الوضع الراهن، الأمر الذي عكس قيمة إيجابية أوساط اليمنيين والعرب عموما ولدى المشاركين من الجنسين.
واستعرض السفير اليمني كل اللوحات المشاركة، معبرا عن شكره لمدير عام مؤسسة “لايت فور ميديا” أشرف السامعي، وكذلك قطاع إدارة المعارض بدار الأوبرا المصرية لرعاية واستضافة المعرض الذي منح فناني اليمن تجربة جديدة وعرف بأعمالهم لجمهور جديد.
من جهته، أشار أشرف السامعي إلى أن المعرض مثل تظاهرة فنية عكست في مضمونها الهوية اليمنية ببعديها التاريخي والفني كما هدف لتعريف الجمهور المصري والعربي بنتاجات تشكيليي اليمن الذين سطعت أسماؤهم وألوانهم بإبداع واحترافية.